
تجده يقفز كالبرغوث وأحيانا يحبوا كالسلحفاة... صحيحٌ قد يبدو من الصعب أن يتحقق هذا في شخص واحد, لكنه في مصر أصبح حقيقة صارت تسيطر على بعضنا فاحذروها !!
غريبٌ أمر صديقي هذا, فلديه القدرة على القفز كالبرغوث حتى يتسنى له أن يتجاوز ما لا يُعضّد أو يدعم قناعاته وإذا ما أريته أن ما يؤمن به ويدافع عنه غير صحيح بشكل جلي وواضح مثلما يقول الغرب "كالفيل في الحجرة", فوجئت به تحول إلى خفافيش أو الوطاويط يتعامى عنها ويغض الطرف.
والأدهى من ذلك أن يُدهشك بما لديه من إمكانيات أخرى, حينما يتحول بقدرة قادر إلى السلحفاة يتباطأ ويحبوا حينما يجد ما يُرسّخ لفكرته فتجده يكررها مرارًا ويصر وقتئذ فحسب أنه على حق إذ أن ما ساقه من أدلة يفندها ويؤطرها ويعيد ويزيد فيها حتى لا يكاد يتحرك إلى النقطة التالية طالما وجد ولو بصيص يتمسك به ليثبت للقاصي والداني أن ما يسوغه صحيح مائة بالمائة وهذا غير صحيح.
وما صديقي هذا إلا أنموذجا لكثير ظهروا في الآونة الأخيرة ولا سيما في الأزمة التي تمر بها مصر الثورة!
لقد أفرزت أحداث التحرير الأخيرة معادن البشر بحق, ومن هو الذي لا يستطيع أن يعيش دون أن يقتات على تخوين واتهام الآخر حتى لو كان لصيق له ومشارك معه من قبل في هذه الثورة, فاستطاع بسرعة ربما تفوق الفيمتو ثانية أن يتغافل عما قدمه الآخر وما بذله في هذه الثورة وسرعان ما وضعه في خانة المتآمر والخائن لهذا الوطن الثوري.
برغم أن الأحداث تواترت بسرعة لدرجة أنه لا يستطيع شخص واحد أن يحللها بشكل سليم تماما نظرا لما تتسم به من سيولة, ومع ذلك فقد أبى بعضهم إلا أن يسمح لنفسه أن يزج بشركاء النضال في الأمس القريب إلى مربع الخونة والضالين وربما الثورة المضادة.
فقد راح البعض من أجل أن يثبت أنه هو فحسب ومن معه الأصح في موقفه بتحليل الموقف بشكل عاطفي ووجداني, وهذا ليس بخطأ لكن جعله هذا يطغى على من لم يفعل ذلك, بينما ذهب آخرون إلى تحليل موقفه بشكل عقلاني, لكنه كذلك أخطأ حينما عاب على من لم يفعل ذلك.
دون ريب, لا يوجد مصري شريف يحب هذا البلد يمكنه أن ينكر أن إراقة الدماء خط أحمر لا يثير حزنه وغضبه فحسب, لكنه يستحق منه الثأر له, وإلا استرخص الإنسان المصري ودمه, لكن ما يجب علينا أن نتجنبه في هذه اللحظة ألا يحاول من يقف في خندق عدم النزول إلى التحرير "كالسلحفاة" باتهام أو تخوين من رأى أن نزوله إلى الميدان هو الحل بالمتآمرين على مصلحة البلاد, ثم يبني على ذلك قناعاته وهذا جرم في حق مصر والثورة, ولا يلبث أن يقفز كالبرغوث حينما تصوغ له ما يثبت ربما ما يقتنع به خندق الناس في التحرير.
في الجانب الآخر, تجد أهل التحرير يمتشوقون ميدانهم ويحملون أرواحهم على أكفهم حتى سالت وسفحت دماء الكثير منهم, رحمهم الله جميعا, وهم يرفعون مطالبهم لهم كل الحق فيما يبغونه وبالوسيلة التي يرونها, لكنهم كذلك عليهم أن يحذروا من أن يكونوا كالسلحفاة فيقف عند هذه النقطة ويتكئ عليها لكي يستطيع وصم غير المشاركين في ميدان التحرير بالمتواطئين أو أصحاب المصالح الضيقة والشخصية, وسرعان ما يقفز كالبرغوث حينما تجده متفقا معك في أن ما يحدث ليس بأوانه وهناك مسار انتخابي حاسم لابد الالتزام به.
في نهاية المطاف, علينا أن نحافظ على زخم الثورة بكل مكوناتها وشرائحها ولندع التخوين والاتهام لأنه أول مسامير نعش هذه الثورة ونسفها, وليحذر كل منا في حواراته أن يقفز كالبرغوث أو يحبوا كالسلحفاة !!