
حسن شعيب*
ثمة شعارات أخذت تطفو على الساحة تستقطب الكثير والقليل من الشعب أو بالأحرى الثوار, والمثير للدهشة أن العديد من تلك الشعارات التي تعبر عن آراء رافعيها أو اهتماماتهم كانت تلحق بها كلمة "أولا", وكأن الشعب المصري فجأة ودون مقدمات برمته صار يدرك تماما ما الذي تستوجبه المرحلة دون غيرها من أولويات, حتى إن ما رآه لازما للمرحلة صار في المقدمة.
بطبيعة الحال, جميعنا, فردا فردا, يمتلك كامل الحرية فيما يراه أهم أولويات المرحلة وله مبرراته كذلك النابعة على ما أظن من سعيه لتحقيق المصلحة للثورة, فمنهم من يرى أن الدستور أولا ومنهم من رأى أن الانتخابات أولا, وهذه شعارات ظلت مرفوعة لمدة ليست بالقليلة من الثورة, ومنهم أيضا من أخذ يعمل لما يهتم به أولا سواء بتأسيس حزب سياسي يمثله ويعبر عن اتجاهاته, أو كيان يستطيع أن يعمل من خلاله في ظل مناخ الحرية التي أنعم الله بها علينا.
في الآونة الأخيرة, ونظرا لتخوف البعض من تسرب الثورة من بين أيدينا وربما ضياعها وتحولها من "ثورة 25 يناير" إلى مجرد أحداث نرويها أو نسردها على الأجيال القادمة, هب الثوار ينادون "الثورة أولا", وهي الدعوة التي أيقظت الجمع الغفير نحو انجاز بقية مطالب الثورة, ومن ثم رأينا أخيرا من رفع شعار "الفقراء أولا".
وليس ثمة شك أن جُل أصحاب الشعار "أولا" إن لم يكن الكل يتفق في أن فقراءنا هم الأحق, وهذا ما أعاد إلى ذهني ليلة تنحي المخلوع يوم الجمعة 11/2, بعدما انخرط الجميع في الفرحة والنشوة, حلمت بمصر النهضة, مصر الحضارة, والتي طالما انتظر العالم بأسرها صحوتها من رقادها, وإذا ما تحدثنا عن النهضة, فلابد أن نبدأ بداية سليمة وصحيحة.
صدقا, بعد تنحي المخلوع قلت إن الشعب الذي ثار واستطاع أن يعيد لنفسه الكرامة ويتحدى الجبروت والاستبداد لهو قادر على بناء النهضة, ولأن أي مشروع نهضة يحتاج إلى العناية بلبنته الأولى وتكوينه الأساسي وهو "الإنسان", فتأكد لدي أن أول ما نستثمره من هذه الثورة وزخمها وتلاحم قواها بكافة انتماءاتها وتوجهاتها أن توجه لرفعة هذا الإنسان وتوفير الحد الأدنى لآدميته التي كرمها الله من فوق سبع سموات "ولقد كرمنا بني آدم".
لا ريب أن الحد الأدنى لآدمية الإنسان هو أن يتوفر لديه مصدر قوت يومه يكفيه ومسكن وشعور بالأمن والطمأنينة, وهذا ما لم يحدث أو يتحقق بما لا يشكك فيه أي ذي عينين.
لم أحلم يوم تنحي مبارك بتوفير الحد الأدنى فحسب, فالأصل أن هذا الحد لا يحتاج حلما أو حتى غفوة من النوم للتفكير فيه, لكني ولا أخفيكم حلمت بأن يلتفت الجميع إلى نفسه فيهذب فيها آثار وترسبات وذنوب أُورثناها من النظام البائد رسخت للفساد في البلاد بل وقدمت له المسوغات, ثم تنكفئ جميع المؤسسات والهيئات وطلبة الدراسات العليا وحاملي درجات الماجستير والدكتوراه وكل من يحمل عقلا وفكرا للتحضير لمشروع نهضة وحضارة حسب جدول زمني نسير خلاله, نضمن فيها استقلالية مصر اقتصاديا وسياسيا وفي كل مناحي الحياة, ونعيدها إلى أحضان أمتها "الإسلامية".
حتى هذه اللحظة, أعتقد أن العديد سيؤكد أن هذا هو ما نرنو إليه مما رفعناه من شعارات التي تندرج تحت "أولا", وقد يختلف معي الكثير أيضا في ترتيب الأولويات لهذه المرحلة وكي نفض الغشاوة عن هذا اللبس سنذكر لاحقا "مقال قادم", كيف يمكننا أن نؤسس لهذه النهضة في مصر وكيف نمهد لأن تكون هذه النهضة, التي تبدأ ببناء "الإنسان أولا", هي شغلنا الشاغل والتي لا تغيب عن ناظرينا ولا تتوارى, وحتى هذا الوقت أرجو من الجميع أن يدلي بدلوه في هذا الشأن.... دمتم طيبين, مودتي!
الرابط في "بلدي مصر":
http://baladymasr.com/news_Details.aspx?Kind=3&News_ID=1209
*مترجم وصحفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق