الاثنين، 28 نوفمبر 2011

البرغوث والسلحفاة


حسن شعيب

تجده يقفز كالبرغوث وأحيانا يحبوا كالسلحفاة... صحيحٌ قد يبدو من الصعب أن يتحقق هذا في شخص واحد, لكنه في مصر أصبح حقيقة صارت تسيطر على بعضنا فاحذروها !!

غريبٌ أمر صديقي هذا, فلديه القدرة على القفز كالبرغوث حتى يتسنى له أن يتجاوز ما لا يُعضّد أو يدعم قناعاته وإذا ما أريته أن ما يؤمن به ويدافع عنه غير صحيح بشكل جلي وواضح مثلما يقول الغرب "كالفيل في الحجرة", فوجئت به تحول إلى خفافيش أو الوطاويط يتعامى عنها ويغض الطرف.

والأدهى من ذلك أن يُدهشك بما لديه من إمكانيات أخرى, حينما يتحول بقدرة قادر إلى السلحفاة يتباطأ ويحبوا حينما يجد ما يُرسّخ لفكرته فتجده يكررها مرارًا ويصر وقتئذ فحسب أنه على حق إذ أن ما ساقه من أدلة يفندها ويؤطرها ويعيد ويزيد فيها حتى لا يكاد يتحرك إلى النقطة التالية طالما وجد ولو بصيص يتمسك به ليثبت للقاصي والداني أن ما يسوغه صحيح مائة بالمائة وهذا غير صحيح.

وما صديقي هذا إلا أنموذجا لكثير ظهروا في الآونة الأخيرة ولا سيما في الأزمة التي تمر بها مصر الثورة!

لقد أفرزت أحداث التحرير الأخيرة معادن البشر بحق, ومن هو الذي لا يستطيع أن يعيش دون أن يقتات على تخوين واتهام الآخر حتى لو كان لصيق له ومشارك معه من قبل في هذه الثورة, فاستطاع بسرعة ربما تفوق الفيمتو ثانية أن يتغافل عما قدمه الآخر وما بذله في هذه الثورة وسرعان ما وضعه في خانة المتآمر والخائن لهذا الوطن الثوري.

برغم أن الأحداث تواترت بسرعة لدرجة أنه لا يستطيع شخص واحد أن يحللها بشكل سليم تماما نظرا لما تتسم به من سيولة, ومع ذلك فقد أبى بعضهم إلا أن يسمح لنفسه أن يزج بشركاء النضال في الأمس القريب إلى مربع الخونة والضالين وربما الثورة المضادة.

فقد راح البعض من أجل أن يثبت أنه هو فحسب ومن معه الأصح في موقفه بتحليل الموقف بشكل عاطفي ووجداني, وهذا ليس بخطأ لكن جعله هذا يطغى على من لم يفعل ذلك, بينما ذهب آخرون إلى تحليل موقفه بشكل عقلاني, لكنه كذلك أخطأ حينما عاب على من لم يفعل ذلك.

دون ريب, لا يوجد مصري شريف يحب هذا البلد يمكنه أن ينكر أن إراقة الدماء خط أحمر لا يثير حزنه وغضبه فحسب, لكنه يستحق منه الثأر له, وإلا استرخص الإنسان المصري ودمه, لكن ما يجب علينا أن نتجنبه في هذه اللحظة ألا يحاول من يقف في خندق عدم النزول إلى التحرير "كالسلحفاة" باتهام أو تخوين من رأى أن نزوله إلى الميدان هو الحل بالمتآمرين على مصلحة البلاد, ثم يبني على ذلك قناعاته وهذا جرم في حق مصر والثورة, ولا يلبث أن يقفز كالبرغوث حينما تصوغ له ما يثبت ربما ما يقتنع به خندق الناس في التحرير.

في الجانب الآخر, تجد أهل التحرير يمتشوقون ميدانهم ويحملون أرواحهم على أكفهم حتى سالت وسفحت دماء الكثير منهم, رحمهم الله جميعا, وهم يرفعون مطالبهم لهم كل الحق فيما يبغونه وبالوسيلة التي يرونها, لكنهم كذلك عليهم أن يحذروا من أن يكونوا كالسلحفاة فيقف عند هذه النقطة ويتكئ عليها لكي يستطيع وصم غير المشاركين في ميدان التحرير بالمتواطئين أو أصحاب المصالح الضيقة والشخصية, وسرعان ما يقفز كالبرغوث حينما تجده متفقا معك في أن ما يحدث ليس بأوانه وهناك مسار انتخابي حاسم لابد الالتزام به.

في نهاية المطاف, علينا أن نحافظ على زخم الثورة بكل مكوناتها وشرائحها ولندع التخوين والاتهام لأنه أول مسامير نعش هذه الثورة ونسفها, وليحذر كل منا في حواراته أن يقفز كالبرغوث أو يحبوا كالسلحفاة !!


من داخل التحرير أتكلم


حسن شعيب

خالص دعواتي القلبية بأن يعم الهدوء هذا البلد الطيب أهلها وأن يلهمها عقلا راشدا وقلبا نابضا ورؤية متأنية... من المؤكد أن أحداث التحرير تشغل بالنا جميعا بل وتقض مضاجعنا وذهب من أعيننا النوم وحتى يتبين لي الحقائق وجدت أنه من الضروري أن أنزل إلى الميدان وأري بنفسي ما يحدث وذلك بعدما كتبت الآتي:

أحداث التحرير ورأيي البسيط "رؤية قبل النزول للتحرير"!!

قد نتفق جميعا دون شك فيما يحدث في ميدان التحرير لكن تعاملنا معه ربما يختلف... فلا ريب أن ما يحدث خطة "مدبرة أو غير" لانهيار البلاد بتأجيل الانتخابات, إلا أننا ينبغي علينا أن نؤكد على أن دماء الشعب خط أحمر أكدنا عليه وسنظل, كما أن حق الاعتصام السلمي مكفول للجميع بطبيعة الحال.
ولا جرم أننا جميعا كذلك نرفض تماما طريقة تعامل الأمن الغاشم مع المتظاهرين... لذلك أرى أن الحل القاطع هو نحن الإخوان فنحن فقط من نستطيع أن نوفر للميدان الهدوء, كما يمكننا الحوار من جانب آخر مع المسئولين لتهدئة الوضع, فطالما هناك دماء تنزف سيظل الحوار مستحيلا... فلابد أن يعم الهدوء الميدان أقله ستة ساعات ثم تبدأ الحوارات بإخلاء الميدان أو بطرح ما لدى المعتصمين من مطالب ومن ثم طرحها على المسئولين وهذا ما ينبغي فعله الآن وليس بعد دقيقة... الأخوان كتنظيم هم من يستطيعون الآن تأمين الميدان بتنظيمهم وقيادتهم تتحاور مع المسئولين, الآن لابد أن نضع مصلحة البلاد أولا, لا مناص فأنا أتفق بالطبع مع من يقول أنها خديعة لجر الإخوان وخلافه لكن ماذا سنفعل في الدماء التي تنزف والدولة التي تنهار اقتصاديا لابد من العثور على حل لهذه الأزمة فلا يوجد فيما نعيشه من حالة سائلة من حقيقة محضة واضحة.

"رؤية بعد النزول للميدان" أكثر من ست ساعات.

بالأمس نزلت التحرير مدفوعا بحبي لمصر وشعبها وغاضبا من نزيف الدماء... وجدت ميدان التحرير "من الداخل" هادئا تماما فذهبت إلى بؤرة الأحداث "شارع محمد محمود" وتوغلت المتظاهرين حتى اختنقت من الغاز المسيل فأعود للميدان من جديد ثم أعيد الكرة لشارع محمد محمود...هكذا حتى اتخذت قراري على ما رأيته وهو كالآتي : أولا ...من المؤكد ان الأمن الغاشم استدرج الشباب في البداية حينما اشتبك بالمعتصمين داخل التحرير ومن ثم وقع نزيف الدم فاستشاط الشباب (كحالي) غضبا وحرقة على إخوانهم الذين سال دمهم ....

ثانيا: لكن المخيف الآن والذي جعلني ألتزم بقرار جماعتي أن وجدت الحيرة في عيون كثير من الموجودين في التحرير ووجدت عقلا مسلوبا لدى آخرين وحينما يغيب العقل وتحضر الحيرة يصير الأمر مخيفا للغاية, فتجد من يشعل في الشجر ويلقي بالحجر دون هدف أو مآرب.

ثالثا:أما ما أفزعني هو إصرار الشباب على الاشتباك بالداخلية والذهاب إليهم ومن ثم تطلق الداخلية القنابل المسيلة للغاز لتفريقهم فيزداد الشباب غضبا وحنقا وسقوط لشهدائهم والغريب أنه لما أراد بعض رموز القوى السياسية "د البلتاجي وأيمن نور وغيرهم" عمل حاجز بأجسادهم بين الشباب والداخلية في شارع محمد محمود لكن طردهم الشباب.

أخيرا أرفض تماما تخوين أو اتهام أي شاب في ميدان التحرير بشئ كما أعترض على وصم غير المشاركين بالمتواطئين أو أنهم أصحاب مصالح ضيقة وشخصية وعلينا أن نحافظ على زخم الثورة بكل مكوناتها وشرائحها ولندع التخوين والاتهام لأنه أول مسامير نعش هذه الثورة!!, وعليه كان قراري,....

"بعد نزولي لميدان التحرير أمس وإصراري على المكوث والاعتصام حتى النهاية مع الشباب .... كانت هناك أشياء داخل الميدان تؤكد لي أن قرار جماعتي "الإخوان" صحيحا وسألتزم به!!"


الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

دعوة للإنصاف وإن كان عزيزا


. حسن شعيب

دعوة للإنصاف.. رسائل ثلاثة

عاجلا أم آجلا سيباغتنا أجلنا ثم نُرد إلى الله فيُنبئنا بما كنا فيه نختلف.. شهدت في الآونة الأخيرة سجالات كثيرة حول "الإخوان المسلمين" وهي الجماعة التي أشرف بالانتماء إليها وسأظل ما حييت إذا ما شاء الله ذلك, وقد آثرت الصمت والمراقبة عن كثب لأحبابنا الناصحين والذين سعدت بمشاركات بعضهم وشعرت منهم الإنصاف والحب للجماعة والعاملين للخير.

لا ضير أن نقول إن جماعة الإخوان المسلمين كانوا وما زالوا تجمعا بشريا, ومن ثم فإن الخطأ والزلل وارد منهم, لكن ما يشق على النفس أن يتحدث بعض الأحباب عن هذه الأخطاء بأنها مجملة تتحملها الجماعة وليس الأشخاص فحسب, ثم يلوكون الجماعة بألسنتهم وربما يخوضون فيما لا داعي لذكره ومن ثم ينكأون في الجراح, وينسون مبدأ الإنصاف في التعامل مع الأمور.

كما هالني وأحزنني في الواقع مشاركات بعض من انخرطوا في هذا الجدال (سواء على جنبات أو صفحات هذا الموقع أو في مضمار الحياة) وجعلوا منه شأنا يُوغر في الصدور والقلوب, لذا اسمحوا لي أن أوجه ثلاث رسائل لثلاثة أصناف انضموا بقصد أو دون قصد في هذه المناقشات (الإخوان) و(الناصحون) "منصف- متحامل":

رسالة أولى

بدوري فضلت أن أوجه رسالتي الأولى إلى أحبابنا من الإخوان وشبابهم, الذين آمنوا بهذه الدعوة وصدقوها حتى اطمأنت إليها نفوسهم وسكنت لها قلوبهم, فأدعوهم إلى الإنصات بشدة والاستماع إلى الناصحين مهما وصل حد نقدهم اللاذع والكف عن الدخول في هذه المشاحنات التي تغير النفوس وإن كان لابد فينبغي أن نبادلهم الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، والدليل بالدليل وأن نشارك بالقول الحسن والكلمة الطيبة التي تجمع ولا تفرق وتستوعب ولا تقصي.

بطبيعة الحال, أدعو نفسي وأدعو أخواني من جماعة الإخوان إلى العمل, فلا معنى لإيمان لا يتبعه عمل, ندعوكم للمشاركة في ساحات وميادين العمل في وقت لا داعي فيه للمشاحنات كما أنه لا وقت فيه للتشجيع فحسب، لكننا بحاجة لمساندة ما آمنا به واطمأنت إليه قلوبنا بكل ما أوتينا من وسائل وسبل, لأننا عاهدنا الله على إعادة مجد الإسلام، واستعادة دوره الحضاري, كما لا ينبغي علينا مطلقا إقصاء وإبعاد بني جلدتنا وقومنا ولكن فنتعامل معهم بالحسنى، والموعظة الحسنة، وسيكونون لنا خير العون والمعين إذا ما أزلنا عنهم هذا الغموض واللبس الذي يقولون أننا نمثله.

رسالة ثانية

ورسالتي الثانية إلى الناصحين وبخاصة المنصفين منهم, الذين أشعر من بعضهم في الواقع كل حب وغيرة على مستقبل هذه الجماعة فيبادرون بتقديم النصح والإرشاد حتى تسير هذه الجماعة في مسارها الصحيح, فهؤلاء أقول لهم "شكرا وجزاكم الله خير الجزاء" فقد كان نصحكم بمثابة الشعلة التي أضاءت لنا السبيل, وأخذت بأيدينا يوم أن أخطأنا وتعثرنا إلى الطريق القويم, دمتم لنا بخير ومحبين, لكني أؤكد لكم أن باب جماعتنا سيظل مفتوحا لكم وكم نتشوق لنصحكم البناء من الداخل.

رسالة ثالثة

أما رسالتي الثالثة, فهي أيضا إلى بعض الناصحين إلا أني شعرت منهم بتحامل وانتهاز للفرص والأخطاء وسل الخناجر لنهش جسد الجماعة, فهؤلاء لا أرى لهم رسالة أفضل من رسالة الإمام حسن البنا حين قال:

"أما من أساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، و يأبى إلا أن يلج في غروره و يسدر في شكوكه ويظل مع أوهامه... فهذا ندعو الله لنا و له أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يلهمنا وإياه الرشد، ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء وندعو الله فيه وهو أهل الرجاء، وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه و سلم من قبل : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)".

ختاما, أدعو الجميع إلى الإنصاف ولو كان عزيزا وأن نرتقي بلغة الحوار بيننا فننبذ السباب والتخوين والإقصاء والتفسيق, لكن يقدم كل منا النصح لأخيه وهو يدعوا له بالخير ويرجوا الله أن يرزقنا جميعا طريق الحق ويجنبنا الباطل ويلهمنا الرشد.


الثلاثاء، 19 يوليو 2011

الإنسان أولا (1)


حسن شعيب*

ثمة شعارات أخذت تطفو على الساحة تستقطب الكثير والقليل من الشعب أو بالأحرى الثوار, والمثير للدهشة أن العديد من تلك الشعارات التي تعبر عن آراء رافعيها أو اهتماماتهم كانت تلحق بها كلمة "أولا", وكأن الشعب المصري فجأة ودون مقدمات برمته صار يدرك تماما ما الذي تستوجبه المرحلة دون غيرها من أولويات, حتى إن ما رآه لازما للمرحلة صار في المقدمة.

بطبيعة الحال, جميعنا, فردا فردا, يمتلك كامل الحرية فيما يراه أهم أولويات المرحلة وله مبرراته كذلك النابعة على ما أظن من سعيه لتحقيق المصلحة للثورة, فمنهم من يرى أن الدستور أولا ومنهم من رأى أن الانتخابات أولا, وهذه شعارات ظلت مرفوعة لمدة ليست بالقليلة من الثورة, ومنهم أيضا من أخذ يعمل لما يهتم به أولا سواء بتأسيس حزب سياسي يمثله ويعبر عن اتجاهاته, أو كيان يستطيع أن يعمل من خلاله في ظل مناخ الحرية التي أنعم الله بها علينا.

في الآونة الأخيرة, ونظرا لتخوف البعض من تسرب الثورة من بين أيدينا وربما ضياعها وتحولها من "ثورة 25 يناير" إلى مجرد أحداث نرويها أو نسردها على الأجيال القادمة, هب الثوار ينادون "الثورة أولا", وهي الدعوة التي أيقظت الجمع الغفير نحو انجاز بقية مطالب الثورة, ومن ثم رأينا أخيرا من رفع شعار "الفقراء أولا".

وليس ثمة شك أن جُل أصحاب الشعار "أولا" إن لم يكن الكل يتفق في أن فقراءنا هم الأحق, وهذا ما أعاد إلى ذهني ليلة تنحي المخلوع يوم الجمعة 11/2, بعدما انخرط الجميع في الفرحة والنشوة, حلمت بمصر النهضة, مصر الحضارة, والتي طالما انتظر العالم بأسرها صحوتها من رقادها, وإذا ما تحدثنا عن النهضة, فلابد أن نبدأ بداية سليمة وصحيحة.

صدقا, بعد تنحي المخلوع قلت إن الشعب الذي ثار واستطاع أن يعيد لنفسه الكرامة ويتحدى الجبروت والاستبداد لهو قادر على بناء النهضة, ولأن أي مشروع نهضة يحتاج إلى العناية بلبنته الأولى وتكوينه الأساسي وهو "الإنسان", فتأكد لدي أن أول ما نستثمره من هذه الثورة وزخمها وتلاحم قواها بكافة انتماءاتها وتوجهاتها أن توجه لرفعة هذا الإنسان وتوفير الحد الأدنى لآدميته التي كرمها الله من فوق سبع سموات "ولقد كرمنا بني آدم".

لا ريب أن الحد الأدنى لآدمية الإنسان هو أن يتوفر لديه مصدر قوت يومه يكفيه ومسكن وشعور بالأمن والطمأنينة, وهذا ما لم يحدث أو يتحقق بما لا يشكك فيه أي ذي عينين.

لم أحلم يوم تنحي مبارك بتوفير الحد الأدنى فحسب, فالأصل أن هذا الحد لا يحتاج حلما أو حتى غفوة من النوم للتفكير فيه, لكني ولا أخفيكم حلمت بأن يلتفت الجميع إلى نفسه فيهذب فيها آثار وترسبات وذنوب أُورثناها من النظام البائد رسخت للفساد في البلاد بل وقدمت له المسوغات, ثم تنكفئ جميع المؤسسات والهيئات وطلبة الدراسات العليا وحاملي درجات الماجستير والدكتوراه وكل من يحمل عقلا وفكرا للتحضير لمشروع نهضة وحضارة حسب جدول زمني نسير خلاله, نضمن فيها استقلالية مصر اقتصاديا وسياسيا وفي كل مناحي الحياة, ونعيدها إلى أحضان أمتها "الإسلامية".

حتى هذه اللحظة, أعتقد أن العديد سيؤكد أن هذا هو ما نرنو إليه مما رفعناه من شعارات التي تندرج تحت "أولا", وقد يختلف معي الكثير أيضا في ترتيب الأولويات لهذه المرحلة وكي نفض الغشاوة عن هذا اللبس سنذكر لاحقا "مقال قادم", كيف يمكننا أن نؤسس لهذه النهضة في مصر وكيف نمهد لأن تكون هذه النهضة, التي تبدأ ببناء "الإنسان أولا", هي شغلنا الشاغل والتي لا تغيب عن ناظرينا ولا تتوارى, وحتى هذا الوقت أرجو من الجميع أن يدلي بدلوه في هذا الشأن.... دمتم طيبين, مودتي!

الرابط في "بلدي مصر":

http://baladymasr.com/news_Details.aspx?Kind=3&News_ID=1209

*مترجم وصحفي

الأحد، 19 يونيو 2011

حديث ذو شجون سياسية (2)



حسن شعيب



منذ فترة ليست قريبة – شهر سبتمبر الماضي- وكان هذا قبل قيام هذه الثورة, كتبت في هذا الموقع مقالا تحت ذات العنوان حديثٌ ذو شجون سياسية, وفيه تحدثت مع نفسي عن الأمل في التغيير وهل أنا جادٌ فيما أدعو إليه الناس.
وبعد مداولات وتجاذبات بين النفس وصحابها, خلصنا سويًا إلى أن نكون نحن اليقين, والأمل في الحلم "التغيير" المنشود, وفي هذه الخاطرة السابقة, دعوت الله أن يكون لي مع نفسي حديثا أقل وطأة وقد تحقق الحلم وقد كان ولله الفضل والمنة والحمد الجزيل أن أقر عيوننا برؤية زوال الطغيان والظلم وأطال في أعمارنا حتى نرى المستضعفين في الأرض مُكِّن لهم وفُتحت لهم الآفاق।




غنيٌ عن البيان أن نفسي, في الفترة الماضية, كثيرًا ما خاطبتني بما يحدث في مصر الحبية ولما يحدث وكنت كثيرا أقول لها يا ساكنة بين أضلعي إنها الحرية॥ نعم إن الحرية جميلة ورائعة لكنها محيرة ومربكة, وأطلب منها أن تحسن الظن بالجميع – رعاها الله- فالجميع في حب وطنه الذي ظل مغتصبا ومسروقا عقود عديدة يرغب في تقديم وفعل الكثير।




بيد أنها – نفسي- عادت ثانية تقول وهل كل ما يحدث حولك يبعث في أساريرك السرور والطمأنينة؟
وبهذا السؤال الذي يبدوا عاديا أثارت نفسي شجونا كنت أود أن تبقى مدفونة أو مقبورة داخلي, فروح ميدان التحرير, الذي أسميه بكعبة الثوار, كفيلة بأن تجعلنا في مصاف الدول الأولى في أقل وقت بل إن هذه الروح جعلت رؤساء وزعماء أقوى دول العالم ومنها أمريكا تشيد بنا وتتمنى أن يتأسى شبابها بثوار مصر।




وليس بخاف على أحد ما يحدث بمصر في هذه الآونة وما أراه جُرمًا كبيرًا للغاية تقع فيه ما تُسمي نفسها أو يُطلق عليها البعض اسم النخبة السياسية من عدم اعتراف بما أراده الشعب في استفتاء للدستور المؤقت ورُددت من أفواههم ذات العبارات التي كان النظام البائد يتغن بها, منها على سبيل المثال أن الشعب لم يصل إلى حد الوعي الذي يمكنه من اختيار الأفضل وهذه كارثة।




وبهذا ذاقت الديمقراطية (اختيار الشعب) انتكاسة أولى في أول امتحان لها في مصر, وناهيك عن أمر الاستفتاء وما انبثق عنه الآن من معركة ما يسمى "بالدستور أم الانتخابات أولا", فإن أكثر ما يثير الخوف والذعر من الانقضاض على هذه الثورة هو تفتيت زخمها وهذا الانقسام الحاد بين القوى التي قامت على أكتافها الثورة।




بدعوتي لما تسمى النخبة أن تلتزم باختيار الشعب, قد يسيء البعض الظن أو يحدث لبس في الفهم, ما يجعلهم يعتقدون أنني لا أود استكمال ما بدأته الثورة من تحقيق لمطالبها سواء بالتطهير والمحاكمات وغيرها وهذا ما لا يختلف عليه اثنان بل إنه ليس من حق أي منا أن يتنازل أو يتهاون نظير بعض الأموال أو الاعتذارات لأنه تفريغٌ لمضمون الثورة, فحاشا لله!॥ إن هذه الثورة ثورة كبرياء واسترداد للكرامة المصرية।




وبرغم أنني أؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنني منحاز تماما لمطالب الثورة التي تجمعنا ولا تشرذمنا والتي بدروها ستعيدنا إلى روح ميدان "التحرير" لكني في الوقت ذاته لا أستطيع أن أتفهم أو أعي انقلاب البعض على الديمقراطية التي طالما نادينا بها ورجونا تحقيقها।




وختاما أقول أنه برغم ما تبدو عليه هذه النخبة وكأنها وجدت مكلمة أو ميدان للتنظير والتقعير والتأطير حالها كحال شعراء سوق عكاظ يخشون أن ينفض السوق دون أن يحصلوا على ما يريدون أو كما يقول المثل "يخرجوا من المولد بلا حمص", لأنهم يدركون جيدا أن ما يتقنونه هو الكلام فحسب, لذا فأدعوهم بل وأرجوا من الجميع أن يعمل ويسعى في تحصيل الخير للناس ولنتنافس على حبه فهو مناط العمل وبمنفعته ونفعه نتعبد إلى الله مولانا ومولاكم ... "خير الناس أنفعهم للناس"।




ورغما عن أنف القاصي والداني, يحدوني أمل وتفاؤل هائل بأن مصر ستتجاوز هذه المرحلة لأن الله هو الضامن لهذا التغيير, لذا لم ترضى نفسي أن تُنهي حديثنا إلا بتأكيدها لما قررته من قبل॥ فلنكن نحن- أنا وأنت- اليقين والأمل في استكمال بقية الحلم المنشود.. دامت مصر طيبة وبخير, مودتي।