الاثنين، 12 يوليو 2010

الاحتواء والإقصاء....السلامة والخلل


حسن شعيب

بادئ ذي بدء, نحمد الله جميعا على النعمة التي من الله بها علينا ألا وهي نعمة الإسلام وهي تستحق الشكر كل يوم بل كل ساعة...إنها تستحق الشكر والحمد كل شهيق وزفير... فالحمد الله على هذه النعمة وكفى بها نعمة....
يقول تعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ, إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (سورة هود)... وهو تقرير من خالق العباد أننا سنظل مختلفين في توجهاتنا وأفكارنا بل إن الآية الكريمة تعني على المعنى العام الاختلاف على الدين الإسلامي, النعمة التي نرفل في كنفها, ونرجو من الله الثبات عليها إلى يوم أن نلقاه.
لماذا التعصب؟
ولكن دعوني أهمس في أذن كل من يتعصب ويشقى برأيه، ومع الأسف كثر عددهم لأقول له إنه الاستبداد بعينه، وهذا من منظور فقهي واضح مورس في كل عصور الإسلام المشرقة، متفردا به دون غيره من أيديولوجيات وليس فقط من منظور ثقافي معاصر له مصطلحاته المتعارف عليها في عالم الحكم والسياسة، ذلك أن للخلاف في ديننا أدبا وضوابط كلما روعيت ارتقى الخلاف إلى سموّ بالفكرة، واستعلاء بالهدف عن كل ما يعوقه أو يؤخّره...
عذرا...إن نفي وجود تعدّد في الآراء، وتنوّع في وجهات النظر مهما كان حجم هذا التعدد أو ذاك التنوع, حتى وإن كان داخل مجموعة تحمل نفس التوجه والمنظومة الدعوية ذاتها، إما أن يكون مغالطة كبرى ترتكب في حق حقيقة ناصعة, والمغالطة خداع وكذب، وإما أن يكون مصادرة بالكلية لمن نختلف معهم تماماً، واعتباره غير موجود بالمرة وهذا يعني أن نكون عميا أو نتعامى بدعوى عدم وجود خلاف في رؤية واحدة على الإطلاق, وهو ضد طبائع الأشياء وكلا الأمرين مر.
وهذا لا يعني, بالطبع, أن كل مخالف على حق، ولكن لابد من توفر سعة الآخر الناقد بالحلم والتقدير، وتوسيع دائرة الحوار معه حول ما جاء به حتى نتوصل إلى قناعة لدى الطرفين بأي الرأيين، أو اقتناع بفائدة ما ينطوي عليها الرأي المخالف.
الخلاف في التاريخ الإسلامي
وهذا ليس بجديد على تاريخنا الإسلامي المشرق, مصدر عزتنا, حيث أنه لا يوجد في عدل عمر وثاقب رأيه وتقديره لمصلحة دينه وأمته برغم ذلك فإنه يفتح بابا أمام رعيته لمتابعته وتقويمه، ومراقبته والنصح له، فيعلنها قوية... "إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني" إنه تحفيز للآخر وتشجيع له كي لا يتردد في الإدلاء بكلمة، أو توجيه بنصح، أو مبادرة بما فيه صلاح، لذلك جاءت مقولة الرعية حادة شديدة اللهجة عنيفة مرهبة, وفق قواميسنا نحن,.. "والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا", إنها غيرة على الحق مخافة الجنوح عنه، وحرص على استقامته يحدوه الصدق، يترتب عليه مصير أمة ومسيرة دعوة.
لذلك انبسطت أسارير القيادة, الفاروق عمر, وتهلّلت حامدة شاكرة مقررة المقولة الخالدة: "الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه", إنه اطمئنان إلى القدرة على التقويم، فربما مع غيابها يتعمق الرأي الفرد، ويتم تكريس الاستبداد، والانفراد بالقرار.
استيعاب المخالف
هذه المقدمة الطويلة, لنأتي إلى لب موضوعنا إنه الاحتواء وما يقابله من إقصاء وهناك فرق شاسع بين الكلمتين.. فالاحتواء, اعتراف بالمخالف، وتوظيف لحركته الدءوبة حتى تصب فيما يصلح المسيرة, أما الإقصاء فهو إنكار عليه وتبديد لحركته وتشتيت لها.
الاحتواء هو سيطرة ناعمة على الآخر، يتحرك بنفسية مطمئنة لا تترقب ولا تتردّد أو تتخوف، بينما الإقصاء تعسّف في التعامل مع الآخر وتكريسٌ للشعور بالظلم، مما يترتب على الأثر النفسي الضخم لسوء الاستقبال الآخر المخالف.
الاحتواء هو قدرة متميزة في لم الشمل ورأب الصدع، وتهدئة الخواطر، والتجميع بين الفرقاء دون حط من أحد على حساب أحد من غير تسفيه لرأي، أو إعلاء لآخر دون معايير..في حين أن الإقصاء عجزٌ يُنْذِر بخطر التكثير من الحانقين والموتورين ممن يترصدون تلقف أي خطأ تُقام الدنيا له ولا تقعد.
الاحتواء مؤشر على سلامة الجو النفسي، وبالتالي صحة التربية وقدرتها على الارتقاء بالأشخاص على وتيرة واحدة ومستويات متعددة، من حسن الأدب والترفع عن سفاسف الأمور, بينما الإقصاء يدل على خلل تربوي لابد أن يُحدَّد موضعه وبواعثه وآثاره ليمكن علاجه والتخلص منه.
في نهاية المطاف, نقرر حقيقة ....في الاحتواء بيئة فاضلة ونفسيات سوية تنتظم الجميع، بينما في الإقصاء اعتدادٌ بصلاح منهج حتى لا يسمح بالنظر إلى عيوبه أو الاستماع إلى ما تشوبه من ترميمات وتجديدات هو بحاجة إليها। ...الرابط السلامة والخلل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق